همسات مراكشية
=========
قصيدة بقلم
======
كمال مسرت
=======
أنا عائشةُ يا سيدي و هذا وطني ..
===================
الكثير من الأضواء حولي في السماء ..
تودعني ..
و الأراضي الوسطى تحتضر ..
تحت قدمي ..
تودعني ..
أمام الحرائق لا تقفي هادئة ، و جددي النداء ..
يا سيدتي ..
و لا تودعيني كوطني ..
قد أضحي بسكون المجرة و أسهر ..
لأشيع أمي ..
بشمعتين و ضريح فارغ ، و أقدم بعد فراغي الولاء ..
اجلسي القرفصاء ، و انظري إلى الطائرة الورقية ..
تمزق غروري و الفضاء ..
تصارعني كظلي .. كعمري الآتي من الغيب ..
فأنهار ..
كتحالفات الأعراب ..
حلقي بلا روح ، و بلا هواء ..
حلقي أيتها الشهباء العربية بلا خمار ..
لأرتاح في منفاي ..
فالعالم يراقب أفولك من ليل الأرض ..
في ذهول ..
و إن لمْ أستطع أن أُحلق فلديك فراشتي ..
و تأشيرة العبور ..
فطيري عاليا بلا ظل فوق الحدود ..
هذه السماء .. المنفطرة ..
حدود عشقي لك أيتها الشامية .. و للدنيا ..
فلا تواعدي طائر السُنُونُو المهاجر ..
غربا ..
قد يرتشف كل ألوان البحر الأبيض ..
و بحر العرب حزين ..
فلا تعديه بقُبلة و زَقّ نبيذ قرب ضريح العروبة ..
قد يغار ذاك الهزار ..
فينفق بلا ريشه الربيعي ، ليجدد اللقاء ..
على ألحان الشفق الأرجواني تذكرت النوم ..
فاستوطنني السهر ..
و بعض الحكايات مع رفيقي الليل ..
فرحلت مع أول ذكرياتي لأعشقكِ من جديد ..
يا سيدتي ..
في أول أغنية نسيتها على حجرك ..
و لو من بعيد .. أعشقكِ ..
و كنت صبيا ..
تلك النجمة القطبية الزرقاء ..
تخفي في عَبايتك سكون خبثها اللامتناهي ..
و صفرة القدر ..
لتشرقي نارا في حطام قوميتي و القمر و الغناء ..
فاهدني طريق الحرير لألاقيك من جهة اليمن ..
أيتها النجمة العابرة بين دمعتي و السماء ..
هل تذكرين أول لقاء لنا ..
بين المطر البنفسجي و الصلاة ..
فليس هنا عشق خالد ..
بين قذائف اليهود و تهويدة الوعود ..
طال البكاء ..
ارتوت بدمائنا البيداء ..
فكيف أصلي و عائشةُ خلف رموشي تبكي ؟..
و كيف ألتقط الابتسامات من أرصفة الزلزال ؟..
و شفاهكم مضمومة ، و بالصمت تحكي ..
فيا أيتها الرصاصة العابرة جسدي كوني بردا و سلاما ..
قال طفل مر بجانب جثتي :
لِمَ يا سيدي الشهيد أرسلتني أمي قبلك إلى السماء ..
ثم رحلت مع الجنود و البيت و العيد ..
أبناء البدو يتعلمون سحر الفرار من دمعتي ، و الاختباء ..
في جسدي ..
و العبث بجرحي الجديد ..
حين أعبر دروبهم يتصدقون عليَّ بعذب القصائد ..
فارتوي حتى الثمالة ..
يشترون من جسدي صباه ليمرحوا و شيوخهم ..
الأمراء ..
يرتشفون من طراوة دمي الأبدية ..
و كانت عائشةُ و تسع جويريات يتوسدن دمعهن ..
و بعض أغنيات الرثاء ..
باعت الدلاّلة ثريدهن لبني قريظة بنصف رغيف ..
و ظل خيمة .. و جرعة ماء ..
ضاعت عذريتهن و رَقّ المواثيق الكونية ..
في مخيمات اللاجئين السوريين ..
في الجزيرة العربية .. نامت النساء ..
و عائشة تضم دمعتها إلى دميتها ..
فلا نراها ..
عائشةُ تبكي ..
عائشة تحكي ..
و نحن نصفق لانكساراتها ..
قال لي الطفل ..
و هو يلملم ما نسي الإعصار من سحاب و هواء ..
في محفظته المدرسية :
قالوا لي أيها التلميذ الميت ستفهم حين تكبر ..
أسرار البقاء ..
و الحكمة في الذل العربي ..
كبر في جسدي الحصار و الجوع و الرصاص ، فصرت رجلا ..
كبرت كيف ما أرادوني ، و لمْ أفهم ..
لمَ ظلال شجرة القمر تغتال حباحب السلام ؟..
فأزرع ظلالا فوق ظلال قتلى الشام ..
ذليلا ..
لتنبت خلف معطفي ألوان عطر الفناء ..
قال لي الطفل الحلبي أسرار تخلفنا عن موعد صرخة البقاء الأخيرة ،
فنسيت كل حكايات الريح لفصل الشتاء عن زغرودة الرعد الأخيرة ، و البرق يقسم أنين الوطن على الحاضرين ، و ينسحب معلنا استسلام الأقحوانة لإغواءات الذباب الجنسية ، تراودني سفرجلة عن نفسي فأعتصم بالبركان ، أقول لها بعد تردد الأصوات في غرفة جارة الوادي هِيتَ لك . يأسرني الشك في رجولتي - في عروبتي ، فأشاطر يوسف جماله في غيابت المرآة المعلقة على صُوَر الحصار ، داخل الزنزانة المظلمة كان بجماله يفسر لي بقية حلمي ، يخفي البقرات السبع و المَرَج العربي في سؤالي عن عائشة و الجويرات ، فامتصني صدى الآيات خارج حكاية عائشة و حدود الوطن .
أنا الطفل العربي ..
و أنا عائشة في إناء النار أطبخ ما تبقى من اسمي على عمد نار و جليد ، قبل أن يجن البحر ، فهذا البحر لي و كل مدن الشام ، و هذا العجوز في كفنه الضبابي وطني ، و هذا أنا أسابق الخزي و القوافي على نهدي أمي الأسيرة في معتقلات الضفة الغربية ، فالقدس كان لي وحدي دونكم ، فاسأل اشتياق الصخرة لي و الهيكل عني ، و اسأل أسراب الحجيج عنك و عن عكا و عني ،و ذاك الحائط لمَ أضحك فأبكى ؟.
قالت عائشة و هي تبتسم لي :
أنا الطفل الوطن ..
يا سيدي ..
في حلمك الصغير ..
و أنا الأرض بلا أرض .. بلا حقول .. بلا ماء ..
بلا حدود .. بلا مواطنين .. بلا هوية و لا انتماء ..
نار .. دخان .. أشلاء و دماء ..
هذه أنا يا سيد الشهداء ..
اختلس بونابرت الأنيق ربطة عنقي و رائحة القمح ..
و اليهود حكمة الهدهد و ابتسامة الريح للصبح ..
من ملك سليمان ..
بابتسامتهم العريضة و رصاصة طائشة ..
و وهبنا للروس السماء ..
قبل فصل الشتاء ..
و نحن نغني نشيد الخبز و الماء ..
الفرس بلاء .. يا جبناء ..
ثم اغتصب الرعاة الحفاة حرمة عائشة ..
فضوا بكارة المكان ..
فوق مسرح السلام ..
و أسروا فيها لذة الزمان ..
فسلام عليكم أيها الموتى .. سلام، و أين السلام ؟..
بالدفوف زفت عرائس البنيات .. و على سلم المقصلة ..
قلت فيهم أحلى كلمة ..
شكرا يا مسلمين .. شكرا ..
و عائشة مبتسمة .. قالت شكرا ..
خلف هتافات شعب .. كنتُ ..
أغني .. أبكي .. أضحك .. أصرخ .. أنام ..
و عائشة أسيرة المؤتمرات و الصمت ..
و أنغام الدمار تتسلل من أنين الموتى لواذا ..
فيا أيها الواقف بلا ساق على حافة الاندثار ..
الربيعي ..
لا تغن مع الريح تلك الاغنية العبرية - الفارسية الغبية ..
و لا تصفق لشطحات البندقية العشواء ..
فلست بطلا لرواية (البؤساء )..
و لم ألتق في مقهى العاصمة اليوم بشكسبير ..
لأعاتبه على تمجيد غبائي ..
و موليير لمْ يلعب دور القصاب ..
و لا التفاحة ..
في المسرحية التاريخية " الشرق الأوسط يحترق " ..
لا تصفقوا و ناموا ..
فأنا لست بطلا .. يا جبناء ..
أنا انعكاس الحجاز على مرآة السراب ..
أنا أول نسمات البعث من هذا اليباب ..
كانت فيهم رحلتا الشتاء و الصيف ..
فنسوها في فراغ القراب ..
من هنا سينطلق ابن مريم ليولد من الصيحة الأولى ..
للطفولة ..
فما صلبوه و ما قتلوه يقينا ..
و إنما عائشة و الجويريات ..
في كل المخيمات صارت لهن أضرحة و أسماء ..
عائشة جرح وطن ..
عائشة مصير شعب بلا وطن ..
عائشة حلم شعب بوطن ..
عائشة اشتياقنا لدفء الوطن .
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق