الأحد، 1 أكتوبر 2017

شذرات فكرية معاصرة : قلم ا. راوند_دلعو

شذرات فكرية معاصرة : قلم #راوند_دلعو
( حقوق النشر محفوظة للمؤلف )
( التأجيج الطائفي وحش يبتلع إنسانية الإنسان تحت غطاء المُقدَّس !!! )
مشاعر التأجيج الطَّائفي هي مشاعر النشوة بالانتصار للدين و المذهب ، و هي الوحش الأشرس في التَّاريخ البشري .... بل هي وحش خاص بالتهام الجنس البشري دون سائر المخلوقات التي لا تعاني من الطائفية و التجييش باسم الدين .
الوحش الذي افترس و لا يزال يفترس البشر بملايينهم المُمَليَنَة من شرق الكوكب إلى غربه ، و بشراهة لا تضاهيها شراهة أشد الفيروسات و الأمراض فتكاً ... !
ها هي المشاعر الدينيّة التي تسببت بتهجير و قتل ملايين البشر على مر العصور ، تنظر إلى دماء الجنس البشري بعين الاستهزاء و الازدراء مع ابتسامة من سخرية و مكر .... ها هي العصبية الدينية التي فتكت بأكثر شعوب الأرض بلا أي شفقة أو رحمة ، و تركت أطناناً من الدموع و القهر قرباناً على مذبح الآلهة .
ها هي نشوة الانتصار للدين التي هدرت حياة و أعراض ملايين البشر ، و لا سيما شعوب سورية و العراق و فلسطين و لبنان و الهند و الباكستان و آراكان و رواندا و الصومال و أفغانستان و روسيا و نيجيريا و القارة الأمريكية و القارة الأسترالية و غيرها الكثير الكثير، بل تكاد لا تترك بقعة على الأرض إلا و تملؤها دموعاً و حسرةً و مشاعراً مؤلمة من مآسي فقد الأحباب من فلذات الأكباد و مُهَجِ القلوب ....
و ها هو الإعلام الطائفي إذ أراه من أشد الدعاة إلى تأجيج هذا الوحش الكاسر و تغذيته و إمداده بتقديم بحار بل محيطات من دماء الجنس البشري كل يوم ....
الإعلام الطائفي التحريضي الذي يستثمر كل مقدّراته و إمكاناته في تجييش الشعوب و تحريضها ضد بعضها لتصفية حسابات تاريخية انقضت منذ آلاف السنين ..... !!
من أراد أن يعرف ما وراء الأحداث و المذابح في سوريا و العراق ومصر و ليبيا و اليمن و إيران و أفغانستان و الصومال ... الخ ، ما عليه إلا أن يتابع هذه المنتجات الإعلامية السنمائية التي ترافق الحروب الطائفية و المفعمة بالتأجيج الطائفي و نشوة الانتصار للدين و المقدس .
و أنا لا أخصُّ طائفة معينة بحديثي ، فكل الطوائف تقدس الموت بنفس الطريقة و تنتج و تخرج و تمثل و تدمج المؤثرات العاطفية بالصوتية لنحصل بالنهاية على بلاد مليئة بالجثث و الدموع و عذابات مِلءَ المدى ، إذا بسطنا أولها لا نرى آخرها .
الطائفية التي تقدم العقائد على الأرواح إذ تتسيدها النصوص المقدسة التي تدعو للقتل و الاقتتال و تسيطر على فحواها فكرة ( الشهيد ) ، تلك الفكرة التي تكرس القتل بأبشع صوره من أجل فراديس ما بعد الموت و جنات ما تحت التراب !
في هذه المشاهد الإعلامية التي تسيطر عليها العبارات التحريضية ، نلاحظ براعة الدمج بين الإخراج التلفزي و المؤثرات الصوتية الدينية مما يغطي على سذاجة و لا عقلانية المحتوى القصصي و أثره التدميري على الإنسان ... أي أنها التكنولوجيا إذ يتم استثمارها لإطعام هذا الوحش الكاسر المسمى بالطائفية ...
و لو تمعنا في هذا التأجيج الطائفي للاحظنا بأن له عدة نكهات بحسب الطائفة المنتجة للمادة الإعلامية ، فهناك تأجيج طائفي عند هيئات متشددة محسوبة على المسلمين الشيعة و هناك تأجيج مقابل له بنكهة إسلامية سُنية ، حيث تمارسه الهيئات المتطرفة المحسوبة على الطائفة السنيّة و هناك تأجيج مسيحي بنفس الطريقة تم استخدامه في الحروب الصليبية و تأجيج بوذي يمارس اليوم ضد مسلمي الروهينغا في بورما ...و غيرها من التأجيجات المذهبية إذ لا يكاد يخلو مذهب ديني من ذلك ، و إنها نفس الدوامة إذا دخل فيها شعب ما ، حكم على نفسه باستمرار النزف إلى الفناء ...
و ما تحويه هذه المواد الإعلامية هو تقزيم لمسألة الموت ، و استهتار بحياة الإنسان تحت مسمّى الكلمة الأكثر رعباً في آداب الشعوب كلها و هي كلمة ( شهيد) .... فما تقدمه هذه المواد الإعلامية هو بشكل أو بآخر سبب لدمار الإنسان حيث يجعل مهنة القتل من أجل الغيب فكرة مقدسة محترمة ، في حين يجب أن يكون القتل من أجل الفكرة أمراً محرماً دولياً بغض النظر عن الفكرة و صحتها أو خطئها ...
فهؤلاء الرجال الذين تمتلئ بهم هذه المواد الإعلامية التحريضية مجرد قتلة تحت راية الطائفة ...هم غالباً ذاهبون كي يلاقوا قتلةً تحت راية طائفة أخرى ، وأطفال كلا الطائفتين ضحايا التقديس الممنهج لعملية القتل و الهالة المريضة التي ترسمها الأديان حول كلمة ( شهيد )، و من ثم الإجلال و الاحترام التي سيجت به عملية الموت في سبيل العقيدة ، حتى لو كانت في سبيل مصادرة رأي الآخر و تصفية الحسابات التاريخية المريضة !!!
هذه الأعمال الإعلامية التي تتلقى دعمها المادي اللامحدود من جهات خبيثة تقبع وراء الكواليس ، متسترة بالخفاء ، إذ تعمل كالأشباح في أفلام الرعب لتمرر أموالها في جنح الظلام إلى الهيئات الدينية المتطرفة التي تقود قطعاناً مغيبة من الشعوب ، و تؤسس قنواتاً فضائيّة مجرمة تدعو للقتل و التكفير و التحريض و استباحة كرامة الإنسان فقط لكونه مخالف بالدين و العقيدة ، ثم لتستمر باجترار أحداث التاريخ الذي انقضى منذ آلاف السنين فتعيد إلى الوجود _ عن سبق نية و قصد _شخصياته التي تتمتع بالتقديس عند البسطاء ، و يا ليتها تعيدهم وحدهم إلى الحياة كشخصيات ملائكية منزهة ، بل تعيد معهم ثاراتهم الملطخة بالسواد و الدم و الحقد ...
عملية إحياء قذرة للجزء الأقبح من تاريخ البشر ، عملية إعادة توليد للحقد التاريخي ، عملية إعادة تصدير للنص الشرس المتوحش الذي يدعو للنزف و النزف و النزف ... عملية تكرير لميلاد العذاب و استيلاد الوجع من رحم التاريخ .
هذه الأعمال الإعلامية تجسد و بدقّة أساليب تغييب العقل وراء العاطفة العمياء .... و أفضل مثال على ذلك الأفلام و المسلسلات التي جاءت في سياق التجييش للحرب الإيرانية العراقية القذرة ، حيث كان التجييش الطائفي على أشده بين إيران المحسوبة على المذهب الشيعي و العراق المحسوبة آنذاك على المذهب السني !!! 
فتم إنتاج العشرات من أفلام التحريض الطائفي خلال الحرب ، و ربطها بقصة كربلاء المعروفة و التي تعتبر من الأدبيات المقدسة عند أتباع الطائفة الشيعية ، مما زاد من شراسة الحرب و دمويتها و جعلها وقوداً لملايين الضحايا من مغيبي الطرفين .
و هذا نتاج مباشر للطائفية الدينية البغيضة التي فرقت البشر و تسببت بمعظم حروبهم على مر التاريخ... فهل هناك حل لوأد هذه العاطفة الطائفية المقيتة ؟؟؟
اقتراح حل من خلال (عملية التفاف على الفكر الطائفي ) :
لطالما تقطّع قلبي و احترق فؤادي و أنا أنظر إلى ضحايا الحروب الطائفية في الشرق الأوسط و القارة الهندية و القارة الإفريقية ... ففكرت ملياً بمحاولة إيجاد صيغة لحل تتفق عليه الشعوب لإيقاف هذه الدوامة الحمراء و الزوبعة الهوجاء من أطنان الدماء المتناثرة هنا و هناك تحمل في قطراتها ضحكات الأحباب و ابتسامات فلذات الأكباد ..
و مع الانتشار الواسع و الرهيب للعصبيات الدينية بين الشعوب ، لم أجد حلاً إلا الالتفاف على الطائفية بالاقتراح التالي :
و هو التعامل مع التواريخ المقدسة للشعوب بلهجة الترفع عن الذرائع و التركيز على الغايات ...
مثلاً المسلم السني يصوِّر دخول عمر بن الخطاب إلى القدس ( فاتحاً ) بهدف نشر الفضيلة و سعادة الإنسان .....
المسلم الشيعي يصور كربلاء الحسين على أنها ثورة مثالية بهدف نشر الفضيلة و سعادة الإنسان ...
المسيحي يصور عملية صلب المسيح واستعادة القدس بأنها من أجل نشر الفضيلة و سعادة الإنسان ...
و اليهودي يصور عملية قيام دولة إسرائيل بأنها من أجل نشر الفضيلة و سعادة الإنسان ...
و هكذا كل طرف ديني يدعي أنه يحارب في سبيل ربه من أجل نشر الفضيلة و سعادة الإنسان.....
و أنا أدعو البشر من كل قلبي و جوارحي و بجدِّيّة كاملة ، أن تعالوا نلقي بهذه الذرائع و ما ارتبط بها من أحداث تفصيلية و دماء في مهملات التاريخ ، و لنقدس معاً الغاية المشتركة ألا وهي الفضيلة ، ثم لنقرأ التاريخ بشكل خالٍ من المشاعر و العواطف و لنترفع عن تفاصيله التي ذهبت بلا عودة ، و ليحترم الشيعي و المسيحي الفضيلة المُدَّعاة بدخول عمر بن الخطاب للقدس ، و ليعذروا السني باحترامه لعمر فصورة عمر في تصور السني هي صورة فاضلة وفق الأدبيات و الموروثات السنية ، ثم ليحترم السني و المسيحي الفضيلة المُدَّعاة من وراء كربلاء و الأئمة الإثني عشر و الإمام المغيب في سرداب سامراء ، فهذه أمور قدستها الأدبيات الشيعية لا لذواتها بل بغية احترام الفضيلة الناتجة عنها ، فليتوقف غير الشيعي عن السخرية من هذه الشخصيات و المفاهيم التاريخية و ليحترم الفضيلة المنوطة بها ، ثم ليحترم المسلم و اليهودي الفضيلة المدعاة من وراء عملية صلب المسيح فليتجاوزا عن تفاصيل عقيدة الصلب و الجدالات العقيمة التي تحاول إثبات حدوثها أو نفيه ، و ليركز على المآل و الغاية منها ألا و هي الفضيلة المنوطة بعملية صلب المخلّص من أجل فداء الإنسان و نشر السلام و ما يترتب على ذلك من أخلاقيات راقية في الأدبيات المسيحية ...
و هكذا فليتم التعامل مع كل حدث تاريخي باعتبار مآلاته الفاضلة و لنحاسب كل فرد بمآلات ما يعتقد لا على تفاصيل العقيدة التي في رأسه ، و بهذه الطريقة نجد أن الجنس البشري يستطيع أن يؤسس لصيغة تفاهم يلتف بشكل ذكي من خلالها على الطائفية القذرة ليهزمها و يتجنب الوقوع في فخها الدموي ، بحيث يقدس الفضيلة من أجل الفضيلة و فقط الفضيلة متجاوزاً الأحداث التفصيلية للتاريخ الذي ذهب إلى غير رجعة و الذي لن يفيدنا البكاء و النواح عليه شيئاً !!!!
ثم لنحمل الجهل و الطائفية كل تبعات الجرائم التاريخية ، فثأر الحسين ليس بأتباع طائفة معينة بل يتم تحميله للجهل و الطائفية و الغباء الذي انتشر في القرون الوسطى ... و كذلك دم المسيح و كذلك كل دم تاريخي ...
فلنتفق على أن نعتبر أي حدث تاريخي كان من أجل الفضيلة ، و كل سيف في التاريخ رفع من أجل الفضيلة ، و أنه موروث بشري عام ، و بهذا تغمد الأسلحة في قبور العلم و يبقى الإنسان و تبقى الفضيلة و لن نجد عندها أي حرب طائفية أو عرقية بل سيتعايش اليهودي و المسلم في فلسطين ، و السني و العلوي في سوريا ، و الشيعي و السني في العراق وإيران ، و المسيحي و المسلم في مصر .... و المسلم و الهندوسي في الهند ، و ستتم محاصرة الشخصيات المقدسة و قولبتها ضمن إطار عصرها الماضي.
فانتصارك للفضيلة المدعاة في دينك يكون بترفعك عن الثأر التاريخي الموروث ، و إحيائك لمآلات دينك من محبة و سلام.
فالمفترض أن الحسين بن علي بن أبي طالب وفق التصور الشيعي للشخصية الحسينية أنه لا يقبل بغرق الطفل السني هاربا من جحافل الميليشيات الشيعية و هي تقتحم منطقة سنية ...
و المفترض و فق ما تحمله الأدبيات و الموروثات السنية عن شخصية عمر بن الخطاب أنه لا يرضى بقتل طفل شيعي بتفجير عشوائي في منطقة شيعية ...
و المفترض وفق الأدبيات الهندوسية أن كريشنا لا يقبل بهدم مسجد سني فوق رؤوس المصلين ...
و المفترض و فق الأدبيات السنيّة أن محمداً لا يقبل بهدم معبد هندوسي فوق رؤوس ساكنيه ...
و المفترض وفق الموروثات المسيحية أن المسيح لا يقبل بقتل طفل مسلم من أجل تحرير القدس وبيت لحم من المسلمين ...
و كذلك موسى اليهود لا يقبل بطرد الشعب الفلسطيني من أجل إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ...
فلتمت كل الأفكار الطائفية الذرائعية و لتحيى الفضيلة ...... و لندفن النصوص المتوحشة في أحشاء حروفها و كتبها الصفراء.
لا للتأجيج الطائفي
#راوند_دلعو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق