ساحة المسجد الحسيني
قصة : محمد عارف مشّه
كتبت مساء هذه الليلة 21 / 6 /2017
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التصقت قدماه في الطين . تعثّر في وتد الخيمة . تمايل جسده . سقط الطفل . تلوثت ثيابه . دخل الغرفة الصفيّة .الأرض مبللة بالطين وقنوات ماء المطر الصغيرة . المقاعد مبتلة . الريح في الخارج تزأر . عمود الخيمة يتأرجح . المعلم يشرح . جسد الطفل يرتجف . المعلم يخلع معطفه ويلف به جسد الطفل المرتعش كعصفور مبتل . ملابس المعلم رثّة . المعلم يرتجف من البرد . الأطفال تصفق أجسادهم لرقصات خيمة تكاد تسقط فوق رؤوسهم .
الساعة السابعة صباحا . بدأ النمل في المخيم استيقاظه . يحمل الرجال في أيديهم أكياسا ورقية . والطعام فيها واحد . حبتان من البندورة . رغيف خبز وعلبة سردين من وكالة الغوث .
لا حافلات تكفي كي تنقلهم إلى رعب العاصمة . المكان ساحة المسجد الحسيني . والأمل يشع في قلوبهم أن تأتي سيارة تقلّ كل ذي حظ إلى حيث لا يدري أحد إلى أين ....... وفي المساء عودتهم مثقلة بمرارة الإهانة والجوع والتعب . الآخرون يعودون بقهرهم بلا عمل . تحزن نساء الخيام . ينتظرن موعد ( مطعم الوكالة ) ، والطعام ذاته كل يوم .
أمي سأصبح دجاجة عندما أكبر . قال طفل في المخيم لأمه
ولماذا دجاجة سألت الأم بدهشة
لكثرة ما صرفت لنا وكالة الغوث من بيض يوميا في مطعمها
أنا سأصبح سمكة . قالت البنت الصغرى وأضافت : يوميا تجبرنا المعلمة على تناول حبوب زيت السمك .
الأم لم تحزن . الأم لم تفرح . الأم تفكر فقط : هل سوزعون ( البقج ) قبل العيد وتكون فيها ملابس تناسب أطفالها في فصل الشتاء ؟ هل سينال زوجها معطفا يقيه برد الشتاء ؟
أمي أريد معطفا مثل معطف معلمنا . قالها طفل المخيم
المعلم ؟ زعقت الأم وأضافت : ومن أين سأجيء لك بمعطف مثل معطف المعلم ؟
متى سيوزعون ( البقج ) يا أمي . قالت البنت
لماذا ؟ سألت الأم ابنتها بلا مبالاة
اريد ثوبا أحمر
أحمر ؟
مثل دمية ابنة خالتي ترتدي دميتها ثوبا أحمر
وهل أنت دمية ؟
قال أخوها
ضحك الأولاد
عشعش الحزن في عيني الأم أكثر . شيء ما يهمس في داخلها قهرا ثم قالت : تأخر أبوكم . ثم همست بصوت غير مسموع : استر يارب .
أمي متى نتناول طعام العشاء .
عندما يأتي أبوكم
ومتى سيجيء أبي ؟ قالت الصغيرة
الريح تزمجر . برق . رعد . أمطار غزيرة تنساب من أطراف الخيمة . تنهض الأم وهي تقول
قوموا ) . قام الأولاد . لملمت الأم ما بقي من فراش غير مبتل . بيديها صارت تعمل للماء مجرى صغيرا بعيدا عن مكان نومهم . ساعدوني يا أولاد وأضافت : أستر يارب .

هبّ الأولاد لنجدة أمهم .
أمي أين أبي . لقد تأخر قالت الصغيرة .
أستر يارب . همست الأم لنفسها دون أن يسمعها أحد ، ضاق صدر الأم بخوفه على زوجها
أنا جائعة يا أمي وأريد أن أنام . قالت الصغيرة
نامي . وعندما يجيء أبوك أوقظك
كيف أنام وأنا جائعة يا أمي . لا أقدر
فاسكتي إذن .
استيقظت الصغيرة على صوت صراخ وبكاء على رجل سقطت عليه صخرة في ( منجم الحجارة )، وقد سجيّ جسده في خيمة مازال الماء يسيل من جوانبها فيزيد الأرض طينا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق