الأربعاء، 6 سبتمبر 2017

الإنسان الكوني : قلم الأديب راوند_دلعو

الإنسان الكوني :
قلم - راوند_دلعو
عندما نمارس العنصرية أو الطائفية نكون مجرد قطعاناً من الأغبياء الملونين بلون معين ناتج عن انتماء متخلف تم فرضه علينا لا إرادياً نتيجة ظرف تاريخي أو جغرافي سابق.
فالعنصرية شيء موروث قائم على مفهوم ال ( نحن) و ال (هُم ) ...
لكننا لو تمعَّنَّا في الواقع لوجدنا أننا ( نحنُ) ، لأن ظرفاً ما سيطر في الماضي على أجدادنا ثم زرع فيهم هذه ال ( نحن ).... !
و هم ، ( هُم ) ، لأن ظرفاً ما سيطر على أجدادهم فضخَّ فيهم مفهوم ال ( هُم ) .... !
فالهندي المتعصب لقوميته مثلاً اتخذ ولاءه العنصري نتيجة ظرف جغرافي جعل أجداده يستقرون حول نهر ( الغانج ) ، لكنهم لو قدر لهم أن يكملوا الرحلة إلى مكان آخر لكان لهم انتماء آخر باسم آخر و ليكن كمبودي مثلاً !!! فبين هنديّته و كمبوديته مسافة ظرف جغرافي أحمق ، كنهر عابر أو جبل واقف اعترض مسار الأجداد فتغيرت الوجهة و من ثمَّ تغيرت المسميات و الانتماءات !
و قس على ذلك التعصب العنصري الفرنسي و الجورجي و البلغاري و العربي و المصري و الكاميروني و النازي و و و ...
مجرد تعصبات عرقية غبية ناتجة عن ظروف مكانيّة لم نخترها بملءِ إرادتنا ، بل فرضت على أسلافنا نتيجة رحلات جغرافية سعياً وراء الطعام و الشراب و السكن في دائرة الصراع التطوري للحفاظ على البقاء.
فالعنصرية التي يدافع عنها هؤلاء القوميون المتعصبون و يقيمون الدنيا من أجلها و لا يقعدونها ، إنما نتجت عن رحلات جغرافية قديمة لا خيار لهم و لا لأجدادهم فيها ، فمن استقرت بأسلاف أسلافه القدامى الأقدار في حوض النيل وَسَمُوه بالمصري و من استقرت بأسلافه الحظوظ في وادي الفرات وَسَمُوه بالعراقي و من استقر حول الميسيسيبي كان هندياً أحمراً و من استقرت به رحلته الجغرافية في أستراليا كان هندياً مُعَصفراً.
أما الطائفية فهي أغبى من ذلك بكثير ، إذ هي عبارة عن مصادفة (تاريخية + جغرافية) بحتة ، فمن ولد في مصر قبل دخول عمرو بن العاص سيدمغونه بخاتم من نوع ( مسيحي قبطي) لأنها إيديولوجيا حكام مصر قبل دخول عمرو ... و من ولد في مصر بعد حكم عمرو بن العاص فغالبا سيَسِمُونَهُ بالنوع (مسلم سني) لأنها الإيديولوجيا المفضلة عند جيش ابن العاص آنئذ.
من ولد في الرِّي (طهران اليوم) قبل عصر الحاكم ( خدابنده) سيختُمونه بالخاتم ( مسلم سني) لأنها إرادة السلالة التي حكمت طهران قبل وصول (خدا بندة ) للحكم ، و من ولد في نفس المدينة بعد عهد الحاكم (خدا بنده) سيكون (شيعي) الدمغة و الطابع لأن حضرة الملك المغولي (خدا بنده) ارتأى أن يتأدلج بالتشيع بعد أن طلق زوجته ثلاثاً فلم يجد مُحللاً لها إلا شيخاً شيعي العقيدة ... !!!

فالانتماء العرقي و الديني مجرد مصادفة جغرافية تاريخية خلقت فينا مفهوم ال(نحن) فكونت انتماءاتنا.
فالانتماء القومي_ كما ذكرت للتو _ عبارة عن مصادفة جغرافية من حيث أن الجغرافيا لاسيما موارد الماء و التضاريس لعبت دوراً أساسياً بتحديد مواطن استقرار الشعوب و بالتالي انتماءاتها ، أما الطائفية فهي مصادفة (تاريخية + جغرافية) لكونها نتيجة مباشرة لتصرفات أشخاص في أماكن جغرافية و لحظات تاريخية معينة ، كانتصار ملك صاحب إيديولوجيا في حرب في مكان ما إذ يؤدي لانتشار عقيدته مع توسع دولته ، أو هزيمتة ثم انحسار جيشه مع تراجع عقيدته و انحسارها معه .
و أحياناً يحدد انتماءنا الطائفي اختيار ملك معين في عصر معين لدين معين ، فيتبعه كل الشعب الخاضع ضمن نطاق مُلكه الجغرافي ، كما حصل مع الملك الروسي الذي اختار العقيدة الأرثوذوكسية في القرون الوسطى ، فتبعه الشعب الروسي على نفس الديانة إلى اليوم !
السوري السني مثلاً هو نتيجة لظرف تاريخي جغرافي جعل سوريا مركزاً للدولة الأموية التي كانت تدبغ الناس باللون السني و الانتماء العروبي ، فلو قُدِّر لجيش خالد بن الوليد أن يُهزَم في اليرموك لوجدت مشايخ دمشق اليوم كلهم مطارنة أرثوذوكس يتجهون جنوباً و شرقاً للتبشير بالمسيحية و يتحدثون السريانية لا العربية !!!!
الشعب البرازيلي مثلاً ، كان ليكون مسلماً لولا المحيط الأطلسي الذي أوقف الفاتحين المسلمين عند الحدود الغربية لموريتانيا و السنغال.
تحويل جبل لبنان السوري إلى دولة مستقلة ذات لون خاص جاء نتيجة ظرف تاريخي جغرافي تمت صناعته في عهد الجنرال غورو إبان الاستعمار الفرنسي لسوريا ، و ذلك تلبية لرغبة المسيحيين الموارنة بفصل الجبل و جعله دولة مستقلة ، و إلا فالأصل أن #لبنان_جبل_سوري .
فالعنصرية و الطائفية هما تبعيتان قبيحتان لظرف غبي من الماضي الذي يرمز للجهل و لنزعات القرون الوسطى القائمة على التصنيف السطحي للبشر ، بناء على ظرف إما جغرافي لخلق العنصرية أو عقائدي لخلق الطائفية.
فمن انساق وراء هذه النَّزعات و اعتقد بأن عِرقَه أفضل من الأعراق الأخرى أو دينه أفضل من الأديان الأخرى ، فانسياقه هذا دليل على إقراره بالقطيعية (ماع) و التبعية للسخافات الغابرة التي فرقت البشر بناء على أشياء وهمية و ظروف مرحلية إما جغرافية أو تاريخية. كما أنه إقرار ساذج بأن كينونته و شخصيته قررها الحاكم الفلاني بالعصر الفلاني إذ قرر جنابه أن يلون البلد الفلاني بالنزعة الفلانية ، و كون صاحبنا من مواليد هذه البلد الفلانية فستكون عقيدته كذا و قوميته كذا !!!
أما من انعتق من الخبيثتين ( العنصرية و الطائفية) فانعتاقه بمثابة ترفعه عن الخضوع لظروف جغرافيّة و تاريخيّة غبية لا خيار له فيها ، و بمثابة إعلانه للانضمام لعصر العقل و الإنسانية الكونية.
فحكومات الدول الغربية المتحضرة مثلاً ، تجاوزت هذه التصنيفات الساذجة و بات الأوروبي الذي يفترض أنه مسيحي كاثوليكي يساعد اللاجئ المسلم السني واضعاً تلك الانتماءات الغبية تحت نعل الحضارة البشرية في عصر التنوُّر و العقلانية.
كتبت هذه المقالة لأوضح مدى تخلف و رجعية أصحاب المنشورات العنصرية و الطائفية التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً . فلتتوقفوا عن هذا التحريض فأنتم تعيشون على أرض واحدة لم تختاروا عنصركم الانتمائي و لا لون جلودكم ، بل الجغرافيا و الصدفة فقط من اختارتا ذلك.
كما أتوجه إلى المتدينين بشدة و تطرف ، لأقول لهم لم تختاروا طائفتكم بمُعَلمِيَّتَكم و شطارتكم بل هي مجرد مصادفة تاريخية جغرافية غير واعية ! فلا تتعالوا على الناس بأنكم أطهار مهديون و هم أنجاس ضُلَّال !
فلتتوقفوا عن ممارسة الخبيثتين و لتسبحوا في فضاء الإنسان الكوني الذي خلع و تحرر من كل وَسْم و كل دَمْغَة و كل عَلَامَة ، ثم يمَّم شطر إنسانيته الصافية النقية و ترفع عن أن يكون مجرد عضو في قطيع مدبوغ بأوسمة العبودية و التصنيف.
ذلك الإنسان الذي يهتم لأخيه الإنسان أينما كان بغض النظر عن لونه و دينه و عرقه و عاداته ، ذلك الإنسان المنحاز للعقل و العقلانية لا للعنصرية و الطائفية و القطيعية.
إنسان كوني واسع الطيف و التفكير ، يسع الكون كلّه في قلبه الصغير ، ابنٌ بارٌ لهذا الوجود يدرك بأنه من نفس الغبار النجمي الذي صنع المجرة بما فيها من كواكب و شموس و أقمار و مذنبات و نيازك و مخلوقات.
ها هو يشعر بانتمائه للورود و الأشجار و البيوت و الحدائق و البحار ، فهي من رفات الأجداد كل الأجداد إذ تتوزع فيها ذرات أجسادهم و بقايا أنفاسهم بمختلف أنواعهم و أجناسهم و ألوانهم .
إنه الإنسان الكوني العميق ، إنه الممثل الوحيد لوعي البشرية لذاتها ، إنه الظل الكوني النقي ، فلتكن كوني النزعة ، إنسانيّ الكينونة.
#راوند_دلعو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق