السبت، 3 ديسمبر 2016

الفاجومي.. الثائر الغائب بجسده الحاضر بنضاله يكتبها الاستاذ مجدي الروميسي



الفاجومي.. الثائر الغائب بجسده الحاضر بنضاله
رغم مرور 3 سنوات على رحيله، إلا إنه كان حاضرًا دائمًا بيننا بشعره الذي كان يعبر عن معاناة الطبقات الدنيا، التي قضى عمره كله بينها، ولم يختر الطريق السهل مداهنة السلطة والتقرب منها؛ لذلك كان مطاردًا؛ لأنه كان يعريها أمام نفسها، حتى رحل عن عالمنا محافظًا على جلبابه نقيًّا من أي دنس.
منذ طفولته والمعاناة هي رفيقه الدائم، فبعد وفاة والده، انتقل للعيش في بيت خاله؛ لينتقل بعد ذلك إلى ملجأ أيتام، وهناك قابل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، بعدها انتقل للعيش مع أحد أشقائه في القاهرة، لكنه طرده، فاضطر إلى العمل في مهن مختلفة “مكوجي، بائع، عامل إنشاءات وبناء، ترزي، ميكانيكي”، ليختلط مع طبقات المجتمع السفلى التي استقى من مفرداتها معظم كلمات شعره، ودارت أبياته حولها.
بدأت رحلته الشعرية في الخمسينيات، وعلى الرغم من اتخاذه طريق الشعر المتمرد، ذلك الطريق الذي سار فيه الثنائي أمل دنقل ونجيب سرور، إلا أن تجربته الشعرية كانت مختلفة عنهم؛ لأنها كانت تأتي من الشارع لتخاطب الشارع.
مع الشيخ إمام كون الفاجومي ثنائيًّا انطلق في عام 1962، ذلك العام الذي خرج فيه نجم من السجن، وأصدر أول دواوينه الشعرية “صور من السجن والحياة”، وأخذ في البحث عن مغني له، فشكل مع الشيخ إمام فرقة انطلقت في الغناء للحب والعشاق، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث قلبت نكسة 1967 الفرقة رأسًا على عقب، فانطلقا بأغانٍ أثارت حماس الطلبة، ورفضت الهزيمة، إحداها “بقرة حاحا” بجانب أغنية “جيفارا” التي أحدثت ضجة كبيرة لدى الشباب الثائر والرافض للهزيمة، لينتهي صدامهما مع نظام جمال عبد الناصر إلى اعتقالهما عام 1969. وتوسط الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لدى عبد الناصر، لكن الأخير أقسم ألا يرى الثنائي النور في حياته.
ويفسر الكاتب رجاء النقاش سبب اعتقالهما وغضب عبد الناصر عليهما بأن الأخير استمع للأغنية التي غناها الشيخ عن سيناء، فغلى دمه عندما سمع عبارة “يا محلا رجعة ضباطنا من خط النار”.
وفي حقبة السادات ظل نجم ثائرًا كعادته، حتى لقبه السادات بـ “الشاعر البذيء”، وكان حاضرًا في كل أحداثها، فتراه مشاركًا في مظاهرات عام 1972 وعام الحسم 73 ومظاهرات 75 ومظاهرات انتفاضة 1977، حتى نصر أكتوبر. وبما أنه كان مرتبطًا دائمًا بالشعب ولم ينافق، فمن الطبيعي أن يربط هذا العبور العظيم بالجنود الذين حققوا النصر، ولا يربطه بأي قيادة، مقدمًا ذلك في أغنية “دولا مين”، إضافة إلى “مصر يا اما يا بهية”؛ ليؤكد للجميع أن من انتصر في الحرب هو الشعب وليس أي قائد أو قيادة.
وفي عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك ظل الفاجومي على عهده مناهضًا لكل أشكال الظلم، رافضًا الخنوع لأي سلطة، يكتب ما يمليه عليه ضميره، حتى جاءت الثورة، وكأن قصيدة “كل ما تهل البشاير” التي كتبها في السبعينيات كانت بمثابة نبؤة لهذه الثورة، والتي قال فيها “كل ما تهل البشاير.. من يناير كل عام.. يدخل النور الزنازن.. يطرد الخوف الظلام”.
حاول الفاجومي الدخول إلى معترك السياسة عبر بوابة الوفد الذي انضم له في 2010، لكنه لم يلبث أن قدم استقالته منه في نفس العام، ليكون بعددها أحد الأعضاء المؤسسين لحزب المصريين الأحرار، وظل على عهده فهو بانحيازه للشعب؛ لذلك وقف في صفه حتى رحل نظام الإخوان الذين أنشده فيه عدة قصائد مناهضة، ومنها “الثوري النوري”.
وفي 3 ديسمبر 2013 رحل نجم عن عالمنا، بعد أن استطاع من خلال شعره السياسي أن يسخر من السلطة والنخب السياسية في مصر بمفردات شعبية بسيطة، وشيع جسمانه من مسجد الحسين وسط الطبقة التي ظل طوال حياته مدافعًا ومتحدثًا بلسانها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق