-------- سَفِنَةُ الْصَحْراء ------ -- للشاعر الدكتور ابراهيم الفايز --
قَدْ كانَ في رِحْلَتي القِرْطاسُ والقَلَمُ
وخافِقٌ في حَنايا الصَدْرِ يَحْتَدِمُ
وَناقَةٌ هَمُّها التِرْحالُ ما تَعِبَتْ
كَأَنَّما أُلْقِيَتْ في رَوْعِها الْهِمَمُ
وَمِنْجَلٌ يَحْصُدُ الأَطْيابَ يودِعُها
في الْخُرْجِ مِنْ ظَهْرِهاعَنْ حِلْسِهاقَدَمُ
هذا الَّذِي كُنْتُ مِنْ دُنْيايَ أَمْلِكُهُ
في رِحْلَتي ثُمَّ سِرْنا والهَوى عَرِمُ
--- --- ---- --
سارَتْ بِلا مِقْوَدٍ والليْلُ مُلْتَحِفٌ
سَوادَهُ مِثْلَ مَوْجِ البَحْرِ يَلْتَطِمُ
سَأَلْتُها ثُمَّ ماذا أَنْتِ فاعِلَةٌ
قَالَتْ الى مَوْطِنِ الأَجْدادِ نَحْتَكِمُ
تَمْشي الهُوَيْنا وأَحْيانَاً مُهَرْوِلَةً
وَعَيْنُها في نُجومِ اللّيْلِ تَرْتَسِمُ
حَتَّى اذا وَصَلَتْ أَسْوارَهُ بَرَكَتْ
وَكَبَّرَتْ ها هي الأَحْجارُ والخَتَمُ
قَالَتْ هُنَا مَوْطِنُ الأَجْدادِ قَدْ سَكَنُوا
مِنْ قَبْلِ سَبْعَةِ آلافٍ وما هُزِموا
وَخَلَّفوها حَضاراتٍ عَجائبُها
دامَتْ على مَسْرَحِ التاريخِ تَبْتَسِمُ
أَحْيَوْا بِهَا أُمَماً كانَتْ مُعَطَّلَةً
حَياتُهُمْ فَبَدَتْ تَزْهو وَتَنْتَظِمُ
وشَمْسُهُمْ أشْرَقَتْ ما كانَ يَحْجِبُها
جَهْلُ الكُهوفِ ولا عَرّافَةٌ صَنَمُ
وأَصْبَحوا كَعْبَةَ الدُّنْيَا مَعارِفَهُمْ
يَأْتِي الحَجيجُ لها زَحْفاً وَيَزْدَحِموا
ماتوا وما خَلَّفوا إلاّ مَآثِرَهُمْ
فَنَّاً وَعِلْمَاً وَتَشْريعَاً وما نَظَمُوا
وَنَحْنُ أَعْقابُهُمْ نَبْكي على طَلَلٍ
تُراثُهُمْ جَاءَ يَشْكونا ويَخْتَصِمُ
لِأَنَّنا ما حَفَظْنا ماءَ وَجْنَتِهِ
حتى غَزَتْنا ذِئابُ اللّيْلِ تَلْتَهِمُ
فَكَيْفَ نَطْلُبُ مِنْ أَشْلائهمْ مَدَداً
وَكَيْفَ نَطْلُبُ شَمْساً لَفََها العَدَمُ
هذا هُوَ الْوَطَنُ المَيْؤسُ عَوْدَتُهُ
إِنْ شِئْتَ نَحْصُدُهُ أَوْ شِئْتَ يَنْكَتِمُ
فَانْهَضْ نُتابِعُ مَسْعانا وَنَكْشِفُهُ
فَعَالَمُ الغابِ يُسْمِعُ مَنْ بِهِ صَمَمُ
قَالَتْ وفي جُعْبَتي أَخْبارُ مَنْ غَبَروا
مِنْ عَهْدِ آدَمَ ما قالوا وما كَتَموا
وَإنَّ ذاكِرَةَ التاريخِ ذاكِرَتي
فيها يُدَوَّنُ ما قامتْ بِهِ الأُمَمُ
فَانْهَضْ لَعَلَّ لَنَا في الغابِ مَوْعِظَةً
أَوْ عِبْرَةً تَجْعَلُ الإنْسانَ يَلْتَزِمُ
--- --- ---- -
سِرْنا وفي حَذَرٍ كُنَّا فَأَوْقَفَنا
سِرْبٌ مِنْ الْنَمْلِ في الْهامِهِ الْحُلُمُ
وقال لي يا فتى ما بالُكُمْ هَمَجٌ
مَعاشِرَ الناس ِ لا عَدْلٌ ولا نُظُمُ
حَياتُكُم كُلُّها فَوْضى وَمَهْزَلَةٌ
وَعَيْشُكُمْ ما بِهِ مِلْحٌ ولا طَعَمُ
فَقُلْتُ يا مِنْجَلِي ما كانَ حاصِلُنا
مِنْ سيرَةِ النَمْلِ هَلّا مِنْهُ نَسْتَلِمُ
فقال لي وحَصادُ النَمْلِ مَغْنَمَةّ
كَدَوْلَةٍ ما بها خَصْمٌ ولا حَكَمُ
تَسيرُ مُلْهَمَةَ الأطْباعِ في نَسَقٍ
ما شَذَّ طَبْعٌ بها أَوْ كادَ يَنْفَصِمُ
---- ----- ----
وَقُلْتُ يا ناقَتي عوجي لِمَمْلَكَةٍ
في جَنَّةِ الوَرْدِ نَأْتيها فَنَغْتَنِمُ
قَالَتْ أَتَقْصُدُ أَنَّ النَحْلَ مَمْلَكَةٌ
فَقُلْتُ مالي سِوى تيجانِها غَنَمُ
حتى إذا ما دَخَلْناها على عَجَلٍ
وراعَنا ما بها كالْدُرِّ يَنْتَظِمُ
فَضَيَّفونا فَمَا أَشْهى مَطاعِمَها
تَموجُ بالعَسَلِ الصافي وَتَلْتَحِمُ
وَأَطْلَعونا على أَسْرارِ مَمْلَكَةٍ
ما قارَبَتْ حَدَّها الأَقْوامُ والأُمَمُ
فَقُلْتُ يا قَلَمي أُكْتُبْ سَرائِرَهُمْ
وَأَنْتَ يا خُرْجُ إحْثِ كُلَّ ما عَلِمُوا
وَأَنْتَ يا أَيُّها القِرْطاسُ في نَهَمٍ
دَوِّنْ مَحاضِرَ ما قالوا وما كَتَموا
كانوا كِراماً فما أَحْلى مَكارِمَهُمْ
مِنْهَا يَفوحُ النَّدَى والجودُ والكَرَمُ
---- ---- -----
وقلتُ يا ناقَتي هَيَّا بِلا وَجَلٍ
لِنَدْخُلَ الغابَ نَجْني كَيْفَ يَحْتَكِمُ
فَأَوْقَفونا بِبابِ السورِ إِذْ طَلَبوا
مِنَّا كَفيلاً متى شاؤهُ يَنْعَدِمُ
قُلْنَا لَهُمْ إنَّنا من هاهنا سَكَنٌ. هذي مَضارِبُنا والأَهْلُ والحَرَمُ
قالوا لنا مَلِكٌ في الغابِ يَأْمُرُنا
وأَمْرُهُ نافِذٌ فينا ومُنْحَسِمُ
وَكُلُّ عالمِ هذا الغابِ في قَلَقٍ
أَمَّا الى قاتِلٍ او فيه يَنْعَدِمُ
وبينما نحن في عَوْدٍ لِقَرْيَتِنا
إِذْ هاجَمَتْنا ذِئابُ الإنْسِ تَغْتَنِمُ
مِنْ أَيَنَ جِئتُمْ وما تحويهِ جُعْبَتُكُمْ
هاتوا لنا الخُرْجَ والقرطاسَ ياغَنَمُ
الحُكْمُ فينا كما تهوى ضمائرُنا
لا مِثْلَماالنحلُ في أوطانهم حَكموا
قُلْنَا بلي دونكم هذي غَنائمُنا
حِلٌّ لَكُمْ ما لنا فيها ولا غَنَمُ
---- ---- ----- -
فَقُلْتُ يا ناقتي كَيْفَ البقاءُ هنا
في عالَمٍ أَهلهُ خَصْمٌ ولا حَكَمُ
قَالَتْ الى تونس الخَضْراءَ وِجْهَتُنا
مُروجُها مُرْبِعاتٌ أَهْلُها شِيَمُ
دِعْنا نُقيمُ بها بِضْعاً مَناظِرُها
أَخّاذَةٌ وبها الأَرواحُ تَنْسَجِمُ
وَنَفْرشُ الدَرْبَ مِنْ بغدادَ أَوسِمَةٌ
فَخْراً وفي تونس الخَضْراءَ تَنْفَطِمُ
----------------------------
الهَمَجُ : الحَمْقى من الناس
الحِلْس ُ: كل ما ولي ظهر الدابة تحت السرج
-------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق